Wednesday, December 12, 2007

علينا أن نختار بين أن نظل ندور في دائرة مغلقة ما بين تيار ماضوي يريد أن يفترس الحريات و بين أفراد يبررون حكمهم المستبد بالتصدى لهؤلاء

متاهة الإخوان و الدكتاتورية تصل لطريق مسدود


هناك سؤال كبير يشغل بال المهتمين بمسألة انتشار الديمقراطية في المنطقة العربية بصفة خاصة و الدول الإسلامية بصفة عامة هو: لماذا فشلت تلك الدول في اللحاق بالموجة الثالثة لانتشار الديمقراطية في العالم؟ و متى و كيف تلحق بأي من موجات الديمقراطية؟
الإجابة على السؤال الأول مركبة، لكن هناك عامل رئيسي من وجهة نظري مسئول عن إخفاق الدول العربية و الإسلامية في اللحاق بركب الديمقراطية هو وجود تيارات غير ديمقراطية تسعى للاستفادة من النظام الديمقراطي للوصول للسلطة، و أعني بذلك في الأساس تيارات الإسلام السياسي التي أخفقت في التوفيق بين نظام الحكم الإسلامي و بين النظام الديمقراطي. و كان البعض قد روج لدمج هذه التيارات في النظام الديمقراطي. و تجلى الإخفاق في البرنامج السياسي لحزب الإخوان المسلمين، الذي عكس بجلاء التعارض بين النظام الديمقراطي و النظام الإسلامي.

خلال ربيع الديمقراطية الأمريكي (2003 إلى 2005) حاولت جماعة الإخوان المسلمين في مصر –بمنطق برجماتي معهود- الاستفادة من الضغوط الأمريكية لنشر الديمقراطية لصالحها من خلال الإيحاء بتبني مفاهيم الديمقراطية و محاولة ربطها بالإسلام و لكن من خلال مفهومها الخاص. و تم تلبيس مصطلح الديمقراطية مثل الحرية و المواطنة و حقوق الإنسان... بمفهوم إسلامي يبعدها عن جوهرها. و في نفس الوقت حاول البعض الترويج لإمكانية دمج الإخوان في الحياة السياسية، و تسويق الجماعة باعتبارها مشابهة لحزب العدالة و التنمية.

إلا أن الإعلان عن البرنامج السياسي لحزب الإخوان المسلمين جاء صادما لأنه كما وصفه المحللون برنامج دولة دينية بامتياز على الطراز الإيراني، يقسم بين المواطنين على أساس الدين و الجنس فيمنع تولي المرأة و الأقباط رئاسة الجمهورية و يضع هيئة دينية تراقب كل ما يصدر من قرارات للتأكد من توافقها مع الشريعة الإسلامية. و بالرغم من الانتقادات التي وجهت للنسخة المبدئية التي أرسلها الإخوان لعدد كبير من المثقفين الذين أجمعوا على نقد الهيئة الدينية و حجب منصب الرئاسة عن المرأة و الأقباط إلا أن الإخوان تمسكوا برأيهم المستمد من الشريعة الإسلامية.

النتيجة الأهم التي يمكن أن نستخلصها عقب قراءة برنامج الإخوان أننا إزاء نظامين مختلفين: نظام الدولة الدينية و النظام الديمقراطي، و أصبح على المجتمعات الإسلامية أن تختار بين السير في طريق الدولة المدنية أو الدولة الدينية، فمحاولة الدمج بين النظامين أمر صعب يصل إلى حد الاستحالة، نظرا لأن التعارض من جهة الشريعة الإسلامية ينبع من ثوابت دينية يعد تجاوزها تجاوزا للدين الإسلامي نفسه. فالإشكاليات المتعلقة بموقف الإسلام من الحريات العامة و المرأة و الأقليات الدينية و النظام الاقتصادي و حقوق الإنسان لازالت قائمة لم تحل. و ما يبدو حتى الآن أن محاولات الدمج بينهما باءت بالفشل، و ما نحن إزاءه هو محاولة كل نظام أن يبتلع النظام الأخر.


إن تخوين حماس لحركة فتح ليس أمرا جديدا في العلاقة بين الإسلاميين و التيارات المدنية. فالتكفير و التخوين طريقة معتادة لوصف المختلفين سياسيا، فالأهداف السياسية ليست نسبية و لكنها مطلقة تماما مثل التشريع الحاكم الذي هو منزل من عند الله. و هذه العلاقة المرتبكة بين الإسلاميين و القوى المدنية نجدها في كل بلد إسلامي، نفس الاتهامات بالعمالة و الخيانة توجه للقوى الليبرالية بسبب مواقفها المعتدلة سواء في العلاقة مع الغرب أو في الصراع العربي الإسرائيلي.

أما من يقدمون حزب العدالة و التنمية التركي باعتباره نموذج للدمج بين الإسلام السياسي و الديمقراطية فهذا اجتزاء مخل لأن برنامج حزب العدالة يبتعد به عن الإسلام السياسي بمعناه الكلاسيكي، فحزب العدالة كما صرح رئيس الوزارء التركي حزب ليبرالي.

لطالما استخدم الحكام السلطويون تهديد وصول الإسلاميين للسلطة كذريعة لتأجيل الديمقراطية أو تجميدها. ففي باكستان مثلا يسيطر على مقاليد الحكم حاكم ديكتاتوري هو الرئيس برويز مشرف الذي يرفض إجراء انتخابات ديمقراطية لأنه من وجهة نظره أنه "إذا أجريت انتخابات في أحوال مضطربة فربما تأتي بعناصر خطرة قد تهدد القدرات الإستراتيجية لباكستان" مستخدما الخوف من وقوع أسلحة باكستان النووية كذريعة إضافية مضيفا في حديث إلى هيئة الإذاعة البريطانية إن أسلحة باكستان النووية لن تقع في أيدي من يجب ألا تكون بحوزتهم ما دام الجيش يسيطر عليها.

لقد حاول الحزب الوطني الحاكم في مصر أن يسير في اتجاه علمنة الدولة عندما ضمن في التعديلات الدستورية ال 34 التي اقترحها منتصف هذا العام تعديل المادة 5 من الدستور لتنص على حظر النشاط السياسي أو قيام الأحزاب على أساس ديني، و هو ما يعني أنه في سبيله لتبني النموذج التركي إذ ما فتح المجال السياسي للأحزاب السياسية المدنية و أغلقه على التيارات الدينية و منها الإخوان.
و بالرغم من ذلك فقد كشفت مناقشات تعديل هذه المادة بمجلس الشعب -و كان لي حظ حضور ر الجلسات من خلال عملي كمحرر برلماني- عن انقسام الحزب الوطني على نفسه فقد انضمت بعض الأصوات من داخل الحزب الوطني إلى الإخوان في القول بأنه من الصعب منع النشاط السياسي الذي له خلفية دينية فاستخدام الدين هو جزء أساسي من الثقافة الإسلامية.

و تمسك نواب الإخوان بأن المادة المطروحة للتعديل تتعارض مع المادة الثانية من الدستور المصري التي تنص على أن الإسلام دين الدولة و مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، و أنه طبقا للشريعة الإسلامية فالإسلام دين و دولة و لا يمكن فصل الدين على الدولة لأن في ذلك مساس بالدين الإسلامي ذاته.
المادة تم إقرارها، بالطبع، حيث لا يستطيع المجلس عدم التصديق على أوامر قادمة له من القيادة العليا، لكن المجلس لم يضع تعريفا ل "النشاط السياسي على أساس ديني" ليبقى الأمر معلقا، و تصبح المادة أداة في يد الحكومة تستخدمها بشكل انتقائي، لكن جوهر فكرة الفصل بين الدين و الدولة فشل، و بقيت مصر نظام يستمد من الشريعة الإسلامية مبادئ التشريع، و في نفس الوقت يحظر ممارسة النشاط السياسي على أساس ديني دون أن يضع تعريفا لما يجب منعه بالضبط و ما لا يجب منعه.
هذه هي المشكلة، الحزب الوطني تراجع عن القيام بفصل حقيقي بين الدين و الدولة، و الإخوان تحدثوا عن الديمقراطية و فشلوا في التوفيق بين الشريعة الإسلامية و أسس النظام الديمقراطي لتستمر متاهة الديمقراطية في مصر.

النموذج التركي هو النموذج الأمثل الذي يمكن من خلاله الحديث عن ديمقراطية في العالم الإسلامي من خلال علمنة الدولة بقوة القانون و الدستور. و يصبح على التيارات الإسلامية التي تريد خوض غمار السياسة أن تكيف نفسها مع النظام الديمقراطي كما هو لا كما يريدونه هم، و ذلك كما فعل حزب العدالة و التنمية التركي. لكن الأمر صعب، فعلمنة السياسة في بلد مثل مصر أو أي من الدول العربية هو أمر صعب يحتاج إلى نظام سياسي شاب أو يمتلك شرعية شعبية تمكنه من فرض مثل هذه القوانين، التي قد تتعارض مع الإسلام، إضافة إلى القيام بحملة للتنوير، و إطلاق الحريات العامة دون انتقائية. و من ثم فإذا كان النظام المصري جادا في الرغبة في الإصلاح الديمقراطي عليه أن يكمل الإصلاحات الدستورية التي بدأها بإلغاء المادة الثانية من الدستور بحيث لا تكون حجة لتعليق تنفيذ الفصل بين الدين و الدولة.

لقد كان و لازال الإخوان في مصر و حماس في فلسطين رؤوس الحربة التي استخدمتها الأنظمة العربية في ضرب الديمقراطية سواء بعد التحرر الوطني من الاستعمار، أو خلال الفرصة التاريخية التي أتاحتها السياسة الأمريكية بعد 11 سبتمبر. و يبدو لي أن المعضلة ستبقى لسنوات طويلة قادمة لأن منع تيارات الإسلام السياسي من النشاط السياسي أمر صعب للغاية لأن مجال تحركهم داخل المساجد خارج السيطرة.

سيظل الإسلام السياسي هو العائق الأول أمام الدول الإسلامية و سيظل يضعها في متاهة خيارين: أنظم شمولية عسكرية أو شبه عسكرية، أو ملكية مستبدة، من ناحية أو شمولية دينية من ناحية أخرى، أو هجين الاثنين حيث يحافظ النظام على قشور الدولة المدنية بينما يعتمد في الأساس على مرجعية دينية. و الناتج من التهجين بين النظام الديمقراطي و النظام الإسلامي هو أنظمة مشوهة لا تستطيع تحقيق النموذج الديني الذي يحلم به المؤمنون و لا النموذج المدني الذي يحلم به المواطنون.

مجدي سمعان

No comments: