Wednesday, November 14, 2007

الحرية هى الحل
"مجتمع تغيب فيه الحرية مجتمع له سقف من النمو و التقدم لا يمكن ان يتخطاه مهما بلغ من تقوى و ورع"
بالرغم من اني شاهدت فيلم القلب الشجاع للممثل الامريكى القدير ميل جيبسون عدة مرات إلا أني لازلت اتوقف عند هذا الفيلم طويلا.خاصة في المشهد الأخير الذي يعدم فيه بطل الفيلم الثائر الاسكتلندي ضد الاستبداد الانجليزي وليام ولاس، حين يخيّروه بين ان يعلن استسلامه و ولائه لملك انجلترا فينجوا بنفسه، او يقتل و يعذب بابشع انواع التعذيب، فيقرر ان يتحمل الالم و يضحى بنفسه من اجل حرية وطنه. و جمع كل ما تبقى له من قوة و هو يلفظ انفاسه الأخيرة و صرخ بأعلى صوت. مات ولاس لكنه اصبح رمزا للحرية. فقد عرف معنى الاستبداد في غياب الحرية، و انه لا قيمة لحياة لا يأمن فيها على حريته حين قتلت زوجته أمام عينيه، و هو الذي لم يستطع اعلان زواجه منها لان الامراء الانجليز كانوا يأخذون العروس من عريسها في اول ليلة.و في مشهد من المشاهد الرائعة و هو مشهد المواجهة بين الجيش الانجليزي المدجج بالسلاح، و بين المتمردين الاسكتلندين بأسلحتهم التقليدية. حين راي الاسكتلندين عتاد الانجليز ففكروا في الانسحاب، مستسلمين للخضوع مرة أخرى للاستبداد و التخلى عن حريتهم. فقال لهم وليام ولاس كلماته الرائعة التى ينبغى ان تكرر على مسامع المصريين "يمكنكم الان ان تنسحبوا و تعودوا الى منازلكم، لكن حين تأتى لحظة الموت و انت كهل كبير على فراشك ستتمنى ان يعود بك الزمن لتلك الحظة التى تخاذلت فيها و فرطت في حريتك"و قد وقفنا –الشعب المصري- هذه الوقفة كثيرا و قررنا الانسحاب من المواجهة و اختيار ان نحيا بدون حرية تحت الاحتلال الاجنبي تارة و تحت الاستبداد الداخلى تارة اخرى، و تركنا خدودنا ملطشة لكل من هب و دب.و قد مات اجدادنا و تركوا لنا ارث من العبودية، بكافة اشكالها، و الاستبداد الذي جعلنا غير واثقين من انفسنا، و امة من العجزة في كافة المجالات.
ليس غريبا ان يكون اول ما يقابلك في الولايات المتحدة الامريكية هو تمثال الحرية، يحمل شعلة التنويرلهذه البلاد و الشعوب التى عرف معنى الحرية و هبت للدفاع عنها لانها تعرف ان حضارتها مبنية عليها. و قدمت تضحيات من اجلها من دماء ابنائها، في حين كنا نحن جبناء في تقديم التضحيات من أجل الحرية.لقد سلب منا حكامنا في نهاية عهد الفراعنة حريتنا، فلم نشعر انها ضاعت منا حين تم استعمارنا. و خضعنا للاستبداد حتى كدنا ان ننسى اننا شعب يمكن ان يحكم نفسه، و المشهد المثير للسخرية في التاريخ المصري، عندما خلع المصريون الوالى العثمانى خورشيد باشا ذهبوا لشخص اجنبي اخر لكى يطلبوا منه ان يحكمهم.
لقد أصبحت " الحرية هى الحل" و الدواء الاكيد لحالتنا. في مصر و المنطقة العربية، التى اصبحت ثقافة الاستبداد جزء من تكوينها الثقافي. فاذا كان الاستبداد هو الذي أوصلنا الى هذه الحالة. و انا لا اتكلم عن استبداد الحاكم فقط بل الاستبداد بكافة اشكاله، بدا بالاستبداد داخل الاسرة و استبداد رجال الدين، و استبداد صاحب العمل.. نهاية باستبداد الفرد الحاكم المتحكم.
الخوف الان من وصول الاخوان الى السلطة، لاننا سنخرج من نظام ديكتاتوري يحكم باسم الفرد ، الى نظام شمولى اخر يحكم باسم الحق الالهي، و يسلب الهامش الضئيل من الحرية الاجتماعية المتاحة ليكون هناك من يحاسبونك على الارض على افعالك المفترض ان تحاسبك عنها في السماء.
في مناخ محافظ و متذمت مثل هذا لا ينمو الابداع لان الابداع هو ابن من ابناء الحرية. الحرية كما يعرفها العالم و ليست الحرية التى نضع لها الف قيد، و تضرب كفا بكف حين تجد من يحدثك عن الحرية بل و يهتف بملء شدقيه مطالبا بها، ثم يضع لك قائمة طويلة من الممنوعات.
مجتمع تغيب فيه الحرية السياسية و الاجتماعية و بالتالي الحرية العلمية و الفنية و الادبية... هو مجتمع لها سقف من النمو و التقدم لا يمكن ان يتخطاه مهما بلغ من تقوى و ورع.
الحرية هى علاج امراض الاستبداد التى عششت في ثقافتنا، حتى أصبحت ثقافة شاذة عن ثقافة العالم شرقه و غربه. و و تغللغل تلك الثقافة جعلنا ندافع عنها تحت مسمى الخصوصية الثقافية. فحين تحدث احدهم عن الديموقراطية يجيب عليك بحماس انه مع الديموقراطية، و تكتشف في النهاية ان الديموقراطية التى يحدثك عنها هى غير تلك الحرية التى يعرفها العالم و استقر عليها، و اصبحت لها محددات و اساسيات اذا غاب احدها لا تسمى ديموقراطية، و حين تقول له ان ما تتكلم عنه ليس الديموقراطية التى يعرفها العالم، فيرد عليك بنفس الشكل و الطريقة التى تردد مثل الببغاوات. و حين تحدثه عن حقوق عن حقوق الانسان ينتهى الحديث الى ان يبادرك القول "و ما رأيك في حقوق الشواذ اليست من حقوق الأنسان" و يضع لك امر حقوق الانسان كله في الشواذ. بزعم الخصوصية الثقافية لبلادنا و تقليدنا الاصيلة. برغم ان دولة مثل السعودية بها اكبر معدلات الشواذ في العالم.و تجد نفس الحديث الذي تسمعه مع معظم الشعب المصري يكرر بنفس الشكل و الاسلوب، حول خصوصينا الثقافية العظيمة. و هذه الخصوصية هى نتاج لمجتمع محافظ تغيب فيه العقلية النقدية، و نقد الذات، و بالتالى اصبحت ثقافة راكدة، تصطدم الان مع العالم بعد سقوط الحواجز من جراء العولمة. هذه الخصوصية الثقافية أصبحت الان خطرا على العالم.و خصوصيتنا الثقافية هى تركيبة فريدة من الاستبداد، و الفكر الدينى السلفى، و قد اصبحت مثل برميل برود يهدد قيم العالم المتحضر التى اولها الحرية و التنوع. و أصبحت الحرية بكل اشكالها هى الدواء، الذى يشبه ضوء الشمس الذي يدخل غرفة مظلمة بها روائح نتنة و مغلقة منذ سنين طويلة.
لذا فالحل كما اصبح واضحا امام الجميع هو في حزب ليبرالى حقيقي، يؤمن قادته بقيم الحرية كما كان حزب الوفد قبل الثورة. حزب يجعلنا نتصالح مع العالم الغربي لا نصطدم معه. و يعيدنا الى ركب الحضارة الانسانية بكل قيمها.لنصرخ كما صرخ وليام ولاس بكل قوتنا "حرية" و المفارقة اننا الان قد لا نحتاج الا ان نقف في الشارع لنصرخ باصواتنا حرية. و لكن لا اعلم ماذا سيكون شكل المستقبل هل سنتطر الى ان نحمل السلاح مرة اخرى لنحرر بلادنا من محتل اجنبي "قرف" من سوء تدبيرنا، و ما نمثله من خطر على الحضارة البشرية بسبب تخلفنا.

No comments: